تشهد الساحة السياسية في المغرب تحركات برلمانية متسارعة، حيث أعلنت مكونات من المعارضة داخل مجلس النواب عن مبادرة لتشكيل لجنة نيابية لتقصي الحقائق حول الدعم الحكومي الموجه لاستيراد وتربية المواشي. هذه الخطوة تأتي في ظل الجدل الواسع الذي أثير حول الإعفاءات الجمركية والدعم المالي المباشر الذي قدمته الحكومة منذ نهاية عام 2022، والذي بلغت تكلفته الإجمالية مليارات الدراهم.
المبادرة، التي يقودها كل من الفريق الحركي، وفريق التقدم والاشتراكية، والمجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، جاءت استجابة للتساؤلات المطروحة من قبل الرأي العام حول مدى شفافية هذه القرارات الحكومية، ومدى تحقيقها للأهداف المعلنة. إذ تشير الانتقادات إلى غياب الوضوح في كيفية توزيع الدعم، ومدى استفادة جميع الفاعلين في القطاع على قدم المساواة.
كما أن تضارب التصريحات الحكومية بشأن قيمة الدعم والمستفيدين منه زاد من حدة الجدل، مما دفع الفرق البرلمانية إلى المطالبة بتوضيحات دقيقة من خلال لجنة لتقصي الحقائق، وهي آلية دستورية تهدف إلى مراقبة وتقييم السياسات العمومية.
فيما أعلنت المكونات الثلاثة عن دعمها المطلق لهذه المبادرة، يظل موقف الفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية قيد الدراسة. فقد أكد مصدر من داخل الفريق أن القرار النهائي لم يُتخذ بعد، إذ يخضع للمناقشة والتقييم لضمان وضوح الصياغة ودقة المطالب المطروحة.
وبالرغم من هذا التريث، فقد أشار المصدر إلى أن الفريق يثمن أي خطوة تسعى إلى استجلاء الحقيقة، لكنه يضع في الحسبان ضرورة تأمين النصاب القانوني اللازم لضمان نجاح اللجنة في أداء مهمتها.
تسعى المبادرة إلى تحقيق عدة أهداف أساسية، من أبرزها:
الكشف عن الحقيقة: تحديد المبالغ الحقيقية التي كلفتها هذه السياسات، ومدى تحقيقها للنتائج المرجوة.
ضمان الشفافية والمساواة: التحقق من أن الدعم تم توزيعه وفق معايير عادلة، دون انحياز لفئة معينة من المستوردين أو الفاعلين في القطاع.
تقييم السياسات العمومية: دراسة مدى نجاعة هذه التدابير في دعم قطاع تربية المواشي، وتأثيرها على الأسعار والسوق المحلي.
تعزيز الرقابة البرلمانية: تفعيل دور مجلس النواب في مراقبة الحكومة، وضمان عدم اتخاذ قرارات مالية كبرى دون محاسبة.
يبقى نجاح هذه المبادرة مرهونًا بمدى تفاعل باقي الفرق البرلمانية معها، خاصة مكونات الأغلبية الحكومية. فإذا تم تأمين النصاب القانوني اللازم، فقد تكون اللجنة فرصة حقيقية لمساءلة الحكومة بشأن طريقة تدبيرها لهذا الملف.
لكن في المقابل، هناك تحديات قد تعترض طريق اللجنة، مثل مقاومة بعض الأطراف التي قد لا ترغب في كشف جميع التفاصيل المالية والإدارية المتعلقة بالدعم، مما قد يجعل عملها أكثر تعقيدًا.
تشكل مبادرة تشكيل لجنة لتقصي الحقائق اختبارًا حقيقيًا لمدى التزام المؤسسات الرقابية في المغرب بأدوارها الدستورية، كما أنها تعكس مدى قدرة مجلس النواب على مساءلة الحكومة في القضايا التي تمس المالية العمومية والمصلحة الاقتصادية للبلاد. الأيام القادمة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كانت هذه الخطوة ستنجح في تحقيق أهدافها أم ستظل مجرد مبادرة غير مكتملة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق